الجمعة 1 رمضان 1441 هـ

الموافق 24 أبريل 2020 م

 

الحمد لله الذي جعل رمضان سيد الأيام والشهور، وضاعف فيه الحسنات والأجور، نحمده سبحانه ونشكره وهو العزيز الغفور، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، بعثه الله  بالهدى والنور، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثرهم إلى يوم البعث والنشور.

أمّا بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى :(وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)

معاشر المسلمين: في اليوم الأول من أيام شهر رمضان المبارك، نهنئ أنفسنا وبلادنا ملكاً وحكومة وشعباً والمسلمين جميعاً، ببلوغ هذا الشهر العظيم، جعله الله مباركاً علينا وعلى عموم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها،وأهله على الجميع بالأمن والأيمان والسلامة والإسلام، ورفع البلاء والوباء عن البلاد والعباد إنه سميع مجيب الدعاء.

ولا ننس أن نشكر ونقدر جلالة الملك حمد بن عيسى حفظه الله ورعاه على توجيهاته السديدة بعودة خطبة وصلاة الجمعة في هذه الأيام المباركة في هذا الجامع المبارك فجزاه الله خيراً.

عباد الله: يعيش المؤمنون في هذه الأيام الكريمة، فَرحةً عظمَى بِدخولِ هذا الشَّهرِ المبارَك، الّذي جعَلَه ربُّنا مَوسماً للخيرات، وفُرصة لاغتِنام الصّالحات… وكان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، يبشر أصحابه بقدوم شهر رمضان، ويبين لهم فضائله وخصائصه، ويحثُّهم فيه إلى عمل الخَيرات ونَيلِ البركاتِ فيقول: (أَتَاكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مِرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ) ولله در القائل:

رَمَضَانُ أَقْبَلَ قُمْ بِنَا يَا صَاحِ

هَذَا  أَوَانُ   تَبَتُّلٍ   وَصَلاحِ

الكَوْنُ مِعْطَارٌ بِطِيبِ قُدُومِهِ

رَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَنَفْحُ أَقَاحِي

صَفوٌ أُتيحَ فَخُذ لِنَفسِكَ قِسطَها

فَالصَفوُ لَيسَ عَلى المَدى بِمُتاحِ

واغنَمْ ثوابَ صيامِه وقيامِه

تَسعَدْ بخيرٍ دائم وفَلاحِ

أيها المؤمنون: يقول صلى الله عليه وسلم: (افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ ، فَإِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نَفَحَاتٌ مِنْ رَحْمَتِهِ، يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ). ويقول صلى الله عليه وسلم (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، و مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، ومَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) فها هي رياح الإيمان قد هبَّت، ومواسم الخير قد أقبلت فاغتنموها.

في رمضان عباد الله تخف وطأة الشهوات على النفوس المؤمنة، وترفع أكف الضراعة بالليل والنهار، فواحد يسأل الله العفو عن زلته، وآخر يسأل الله التوفيق لطاعته، وثالث يستعيذ به من عقوبته ويسأله رفع البلاء عن بلاده وأمته، ورابع يرجو منه الأجر وجميل مثوبته، وخامس شغله ذكره عن مسألته، فسبحان من وفقهم وغيرهم محروم.

عباد الله: كان المسلمون الأوائل يعيشون رمضان بقلوبهم ومشاعرهم، فإذا كان يوم صوم أحدهم فإنه يقضي نهاره صابراً على الشدائد، متسلحا بمراقبة الله تعالى وخشيته، بعيداً عن كل ما يلوث يومه، ويشوه صومه، ولا يتلفظ بسوء، ولا يقول إلا خيراً، وإلا صمت، أما ليله فكان يقضيه في صلاة وتلاوة للقرآن، وذكر الله تبارك وتعالى تأسياً برسول الله صلى الله عليه واله وسلم.

أيها الصائمون والصائمات: ثمار الصوم ونتائجه مدد من الفضائل، لا يحصيها العد، ولا تقع في حساب الكسول اللاهي الغافل الذي يضيع شهره في الاستغراق في النوم نهاراً، وقتل الوقت في الليل عبثاً ولهواً ولعباً. .الصيام جُنَة ( وقاية) من النار: كما قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الصِّيَامُ جُنَّةٌ، يَسْتُجنّ بِهَا الْعَبْدُ مِنْ الْنَّارِ) الصيام جنة من الشهوات:كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يَا مَعْشَرَ الْشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالْصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ)

الصيام سبيل إلى الجنة: كما قال أبو أمامة رضي الله عنه، أَتَيْتُ رَسُوْلَ الْلَّهِ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ : يَا رَسُوْلَ الْلَّهِ مُرْنِيْ بِأَمْرٍ يَنْفَعُنِيْ الْلَّهُ بِهِ، قَالَ: (عَلَيْكَ بِالْصَّيَّامِ، فَإِنَّهُ لا مِثْلَ لَهُ) .

وفي الجنة باب لا يدخل منه إلا الصائمون: فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِنَّ فِيْ الْجَنَّةَ بَابَاً يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الْصَّائِمُوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لا يَدْخُلِ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الْصَّائِمُوْنَ، فَيَقُوْمُوْنَ، لا يَدْخُلِ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوْا أُغْلِقَ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ) الصيام يشفع لصاحبه: فقد قال صلى الله عليه وسلم: (الصِّيَامُ وَالْقُرْآَنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُوْلُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الْطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالْنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيْهِ، وَيَقُوْلُ الْقُرْآَنُ: مَنَعْتُهُ الْنَّوْمَ بِالْلَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيْهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ)… الصيام كفارة ومغفرة للذنوب: فإن الحسنات تكفر السيئات، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيْمَانَاً وَاحْتِسَابَاً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) الصيام سبب للسعادة في الدارين: فقد قال صلى الله عليه وسلم: (وَلِلْصَّائِمِ فَرْحَتَانِ، فَرْحَةٌ حِيْنَ يُفْطِرُ وَفَرْحَةٌ حِيْنَ يَلْقَىَ رَبَّهُ، وَلَخُلُوْفُ فَمِ الْصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ الْلَّهِ مِنْ رِيْحِ الْمِسْكِ) أيها المؤمنون: إذا كان في مدرسة رمضان هذه الخيرات الكثيرة فحري بالمسلم والمسلمة، أن يبادرا لينهلا من معينها، ويستقيا من فضائلها، ويجدا ويجتهدا؛ ليكون حظهما في النجاح أوفر، ونصيبهما في الفوز بمغفرة الذنوب أكبر، وأهليتهما للعتق من النار أوكد، ولا عذر لأحد في التقصير، نسأل الله الهداية والتوفيق والقبول.

عباد الله: رمضان شهر القران، قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيْ أُنْزِلَ فِيْهِ الْقُرْآَنُ هُدىً لِلْنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىَ وَالْفُرْقَانِ) وهو وسيلة عظيمة لشفاء القلوب وهدايتها وتنويرها، ولا شيء أنفع للقلب من قراءة القران بالتدبر والتفكر. قال تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوٓا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوْ الْأَلْبَابِ) وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قراءة القران، وكان جبريل – عليه السلام – يدارسه القران كله في رمضان، وفي العام الذي توفي فيه المصطفى – صلى الله عليه وسلم – دارسه جبريل – عليه السلام – القرآن مرتين ، ليدل على أهمية هذا العمل في الشهر الكريم.

وقد كان السلف الصالح رحمهم الله إذا جاء رمضان تركوا الحديث وتفرغوا لقراءة القران، وسيرتهم إلى وقت قريب شاهدة لمن يختم القران في رمضان كل يوم أو كل ثلاثة أيام أو كل أسبوع ونحو ذلك، فالهجوا  رعاكم الله  بذكر ربكم، ورطبوا ألسنتكم بتلاوة كتابه، فبه تزكو النفوس وتنشرح الصدور وتعظم الأجور.. عباد الله: رمضان فرصة لإحياء القلب وإيقاظه من غفلته ورقدته وتغذية التقوى والخوف من الله، فتقوى الله عز وجل هو مقصود العبادات… رمضان مناسبة لتقوية الصلة بالله وقطع العلائق بالدنيا، وقيام الليل من الوسائل المهمة في إحياء القلب، يقول صلى الله عليه وسلم : :(عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ الْلَّيْلِ؛ فَإِنَّهُ دَأَبُ الْصَّالِحِيْنَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَىَ رَبِّكُمْ وَمَكْفَرَةٌ لِلْسَّيِّئَاتِ وَمَنْهَاةٌ لِلإثْمِ)

قال بعض الصالحين: (لَيْسَ فِيْ الْدُّنْيَا وَقْتٌ يُشْبِهُ نَعِيْمَ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلا مَا يَجِدُهُ أُهِلُ الْلَّيْلَ فِيْ قُلُوْبِهِمْ مِنْ حَلاوَةِ الْمُنَاجَاةِ) وقد تتاح لنا فرصة في هذا العام بسبب هذه الجائحة ونحن مستقرون في البيوت لنتقرب إلى الله أكثر وأكثر بالصلاة وقرآءة القرآن وتربية الأبناء على أهمية الطاعة والعبادة.

عباد الله: رمضان شهر الجود والعطاء والصدقات، وَلَقَدْ كَانَ رَسُوْلُ الْلَّهِ أَجْوَدَ الْنَّاسِ، وْكَانْ أَجَوْدَ مَا يَكُوْنُ فِيْ رَمَضَانَ حِيْنَ يَلْقَاهُ جِبْرِيْلُ، فَلَرَسُوْلُ الْلَّهِ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الْرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ.. إن الصيام يدعو إلى إطعام الجائع، وإعطاء الفقراء والمساكين، وشهر رمضان موسم للمتصدقين، وفرصة سانحة للباذلين والمعطين، قال تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيْهِمْ بِهَا) وَصِحْ عَنْهُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:(إِنَّ لِلَّهِ مَلَكَيْنِ يُنَادِيَانِ فِيْ كُلِّ صَبَاحٍ يَقُوْلُ أَحَدُهُمَا: الْلَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقَاً خَلَفَاً، وَيَقُوْلُ الآخَرُ الْلَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكَاً تَلَفَاً)

إن للصدقة عباد الله فضل عظيم في الدنيا والآخرة، يغفل عنها كثير من الناس فهي تداوي المرضى بإذن الله، وتدفع البلاء، وتيسر الأمور، وتجلب الرزق، وتقي مصارع السوء، وتطفئ غضب الرب، وتزيل أثر الذنوب، وهي ظل لصاحبها يوم القيامة، تحجبه عن النار وتدفع عنه العذاب… فيا أيها المتقون من الصائمين والصائمات: فتشوا عن المعوزين والمحتاجين من أقربائكم، والفقراء والمساكين والأيتام والأرامل والمتعففين من جيرانكم،  والغرباء من أخوانكم، أشركوهم معكم في رزق ربكم ولا تنسوا برهم وإسعادهم.. (يقول الإمام الشافعي رحمه الله: أَحَبُ لِلْصَّائِمِ الزِّيَادَةَ فِيْ الْجُوْدِ فِيْ شَهْرِ رَمَضَانَ اقْتِدَاءً بِرَسُوْلِ الْلَّهِ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَلِحَاجَةِ الْنَّاسِ فِيْهِ إِلَىَ مَصَالِحِهِمْ وَلِتَشَاغُلِ كَثِيْرٍ مِنْهُمْ فِيْهِ بِالْعِبَادَةِ عَنْ مَكَاسِبِهِمْ .ا.هِـ .

أيها العامل العابد: هذا أوان ازديادك واستمتاعك، أيها الغافل اللاهي: هذا أوان تيقظك وإقلاعك، ما ألذ المناجاة لله عند الأسحار، وما أسرع إجابة الدعوات فيها عند الإفطار، وما أحسن أوقاتها من صيام وقيام ودعاء وتضرع واستغفار. هؤلاء الذين تشققت أشداقهم جوعاً في الدنيا، وقلصت شفاههم عن الأشربة ظمأ يقال لهم يوم القيامة: (كُلُوْا وَاشْرَبُوْا هَنِيِئَاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِيْ الأيَّامِ الْخَالِيَةِ)  أخي الصائم أختي الصائمة: اغتنموا نفحات العطايا بالتوبة النصوح، والتوبة ليست مختصة بهذا الشهر، بل فيه وفي غيره من الشهور، لكنها في هذا الشهر متأكدة، وما يدريك يا عبد الله فقد يكون ميلادك الجديد في شهر الخير والبركة، وقد يولد الإنسان مرتين: يوم يخرج من ظلمة رحم أمه إلى نور الدنيا، ويوم يخرج من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة.. ويا لها من فرصة يفرح القلب بها ويسعد، حينما يرجع إلى ربه نادماً ويلحق بركب الصالحين، فألزموا رحمكم الله بيوتكم امتثالاً لتوجيهات ولاة أموركم، والزموا صلواتكم ومصاحفكم وأذكاركم ودعواتكم وأخلاقكم، واجعلوا من المحنة منحة،  واجعلوا من صومكم محطة توبة وإنابة للقلب وأوبة، فقد قال الله تعالى: (وَإِنِّيَ لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَىَ) اللهم وفقنا لاغتنام الأوقات وشغلها بالأعمال الصالحات،اللهم جد علينا بالفضل والإحسان، وعاملنا بالعفو والغفران وتقبل صيامنا وقيامنا وسائر أعمالنا يا رب العالمين.. اللهم أغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا وارحمنا، ولا تؤاخذنا بتقصيرنا وتفريطنا، وارفع البلاء والوباء عن البلاد والعباد، ولا تعاملنا بما نحن أهله، وعاملنا بما أنت أهله أنت أهل التقوى والمغفرة.

نفعني الله وإياكم بالقران العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً كما يحب ربنا ويرضى، والشكر له على ما أولى من نعم وأسدى، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجهم واقتفى إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها المسلمون: يقول صلى الله عليه وسلم: (لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ) ويقولُ عليه الصلاة والسلام: (مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ:  جَزَاكَ اللَّهُ خَيْراً فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ) وبناء على هذا التوجيه والهدي النبوي الكريم، نرى أن الواجب يحتم علينا أن نتقدم برسالة شكر وتقدير وامتنان واعتزاز، لقيادتنا الرشيدة على رأسها جلالة الملك حمد بن عيسى عاهل البلاد المفدى، وسمو رئيس الوزراء خليفة بن سلمان، وسمو ولي العهد سلمان بن حمد، حفظهم الله ورعاهم، على توجيهاتهم السديدة في إدارة أزمة كورونا بكل حكمة واقتدار واتخاذهم كافة الإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية، لمكافحة هذا الفيروس ومنع انتشاره. ومواجهة انعكاسات انتشار هذا الوباء العالمي على المستوى المحلي والداخلي بما يحافظ على صحة وسلامة وأمن واطمئنان المواطنين والمقيمين  واستمرار برامج المملكة ومسيرة عملها تحقيقاً لمساعي التنمية المستدامة لصالح المواطنين وتوفير السيولة اللازمة للتعامل مع آثار الأوضاع الراهنة التي تمر بها مملكتنا الغالية البحرين  وهذا ما تعودناه دائماً من قيادتنا الحكيمة في إدارة الأزمات والشدائد والضوائق والمحن، فجزاهم الله خيراً وبارك في جهودهم، وسدد على طريق الخير والمحبة والعطاء خطاهم…

والشكر والتقدير موصول للفريق الوطني البحريني بقيادة سمو ولي العهد حفظه الله، من مختلف وزارات الدولة ومؤسساتها، ولرجال الجيش الأبطال بقوة دفاع البحرين، ولرجال الأمن العام والدفاع المدني البواسل بوزارة الداخلية، وللقائمين على المجلس الأعلى للصحة ووزارة الصحة وللكوادر والطواقم الطبية والتمريضية والإسعافية والإدارية المخلصة، العسكرية منها والمدنية، التي وقفت وتقف بكل شجاعة واقتدار وصمود، في الصفوف الأمامية في مواجهة هذه الجائحة، في المستشفيات والمختبرات ومراكز العزل والحجر والعلاج وفي المنافذ، وما يقدمونه من كفاءة وجاهزية عالية، ومسؤولية وطنية مشهودة، ومعانٍ سامية للمواطنة الصالحة والمخلصة، والتضحيات الجليلة في تقديم الخدمات العلاجية والوقائية والحملات التوعوية والإرشادية لحماية الوطن والمواطن والمقيم، لينعم المجتمع بالصحة والسلامة والعافية والاستقرار والأمان.

والشكر موصول أيضاً للمحافظين والمحافظات الأربع،  وللقائمين على الحكومة الإلكترونية، ولوزارة شئون الإعلام، ولوزارة التربية والتعليم والقائمين على نظام التعليم عن بعد، والمعلمين والمعلمات وبعض المدارس الوطنية الخاصة وللصحف الوطنية والصحفيين والكتاب،  وكذلك الشكر والتقدير للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية ولوزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف، وللجمعيات الخيرية والهلال الأحمرالبحريني، والنوادي، والبنوك، وللمؤسسة الملكية للأعمال الإنسانية، ولكافة المساهمين في حملة (فينا خير) ولجميع المتطوعين الخيَرين، ولشعب البحرين الوفي، وللمقيمين فيه بجميع فئاته ومكوناته، الذين سطروا أروع الأمثلة في الوفاء والإنسانية والعطاء والتضحية، والولاء للوطن والقيادة والتعاون والتكاتف في هذه الأزمة والجائحة التي تمر بوطننا الغالي.. نسأل الله تعالى أن يجزي الجميع خير الجزاء، وأن يحفظهم بحفظه ويكلأهم برعايته وعنايته، وأن يبارك لهم في صحتهم وأهلهم وأولادهم وجهودهم، وأن يرفع عنا وعن بلادنا وعن المسلمين وعن العالم بأسره البلاء والوباء، وينزل رحمته ولطفه على العالمين، برحمته وفضله ومغفرته، عاجلاً غير آجل  إنه على كل شيء قدير. اللهم أحفظنا من الأوبئة وسيء الأسقام والأمراض، ومُنَ بالشفاءِ والعافيةِ على المصابين به، وارزقنا الأمن والأمان والراحة والاطمئنان، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهمَّ آتِ نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خيرُ مَن زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها يا سميع الدعاء. اللهم ارفعْ وأدفع عنَّا البَلاءَ والوَباءَ والغلا والرِّبا والزِّنا والفواحش والزَّلازلَ والمِحَنَ وسَيءَ الأسقَامِ والأمراضِ، ما ظهرَ منها وما بطنَ عن بلدِنا البَحرينِ خاصةً وعن سَائرِ بلادِ المسلمينَ والعالم عامةً يا ربَّ العالمينَ.. لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ.. لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّا كُنْا مِنَ الظَّالِمِينَ. اللهمَّ إنا نسألُكَ العفوَ والعافيةَ في الدنيا والآخرةِ، اللهمَّ إنا نسألُك العفوَ والعافيةَ في دِيننا ودُنيانا ووالدينا وأهلِنا وأولادنا  ومالِنا وولاةِ أمورِنا وذوي الحُقُوقِ علينا، اللهمَّ استُرْ عوراتنا وآمِنْ رُوعَاتِنا وأحفَظنا من بينِ أيديِنا ومن خلفِنا وعن أيمانِنا وعن شمائِلنا ومن فوقِنا ونعوذُ بعظمتِك أن نُغْتَالَ من تحتِنا يا ذا الجَلالِ والإكرام. اللهم أجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وأظله بظل الإسلام والإيمان وبنعمة الأمن والأمان والاستقرار والوحدة، وألف بين قلوبنا رعاة ورعية وأحفظه علينا وطناً وملكاً وحكومة وشعباً وأهد الجميع للتي هي أقوم.. اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصراً ومؤيداً وارفع البلاء عنهم.

اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا وعاف مبتلانا واشف مرضانا واشف مرضانا، برحمتك يا أرحم الراحمين..

الْلَّهُمَّ نَوِّرْ عَلَىَ أَهْلِ الْقُبُوْرِ مَنْ الْمُسْلِمِيْنَ قُبُوْرِهِمْ، وَاغْفِرْ لِلأحْيَاءِ وَيَسِّرْ لَهُمْ أُمُوْرَهُمْ، الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ  وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

        خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين